حديث الدجاجة إلى الديك !
في يومٍ مشرق مشبع بذرات الحرية الزائدة عن المألوف و المقنن لها
التقت دجاجة بديك فرغ للتو من ندائه الصباحي كما وهو دأبه في كل صباح
فزهت خواطر قلبها قائلة :
" أن ماذا لو جربت اليوم أن أكون ديكاً "!!
فصاحت بالديك تخاطبه :
أنت يا أيها الديك تنادي بالناس أن حي على العمل وتوقظ أرواح فارغة
لتمتلئ نشاطاً بعد الكسل , وتبدأ في صناعة الحياة , ويملأ صوتك أرجاء الريف
فتخاطب في الناس عقولهم ,
فأود لو أكون مكانك فترتقي أبصار الناس إلى السماء إن هم سمعوا سحر غنائي , وندائي !
فهم قد سئموا صوتك البالي و الجديد يلهب أسماع الناس فيستمتعون بي ويرنون قرب مجيء
فالعالم اليوم يصرخ بالحرية و المساواة فلمَ لا أكون مكانك , أو كأنت
وقف الديك مشدوهاً لما سمع من قولها المدجج بالهمجية وقلب فكره يمنة ويسرة
يرسم الصورة و يحلل الصوت و يستنتج النتائج , فصاح بها معاتباً بعقلة الحكيم وقوله السديد
: ما كان للديك يوماً أن يكون دجاجة يا صغيرة وكلٌ ميسرٌ لما خلق له ,
أتردين أن تعتلي أسوار السحر , فتوقظي العباد وتؤنسي وحشة الغرباء ,
وتنبهي الراقد على وسائد الغفلة ليس له من حياته إلا اللهو و التعب !
قالت : قد سئمت و أضناني التعب من الذبح وملء موائد بني البشر بما لذ وطاب
فأنا لا أخاطب في الناس إلا بطونهم ,حررني من هذا القيد و دعني أجرب مكانك
أريد أن أعتلي منصب السيادة وأوقظ الشعوب و أواكب العصرية ونغدو أنا وأنت سواء
وأصبح مثلك ذو مركز وعناية وأملأ صفحات الجرائد والمجلات
فيثنون علي ويمدحون خطوتي الخارجة عن العادات والمألوف
ويتكلم القاصي والداني أن دجاجة أصبحت كالديك تنادي
على الأسوار وتزاحمه في الصباح و المساء !
فقال لها : وأنى لك بصوتٍ ندي كصوتي أيتها الدجاجة العصرية ,
فصوتك لن يتعدى إلا أن يكون نشازًا و نفورًا لا نداءًا و قربًا و رحمة
: أتهزأ بي , لي من الصوت ما هو كتغاريد الصبح و ألحان الربيع
إنما أنت خائف على نفسك إن أنا سرقت الأضواء منك و حطمت مركزك
: حسنا يا صغيرة ومن فاعل الخير هذا من أقنعك بما تقولين ,
وزين لك الأقوال وزخرفها بأبهى الحلل ليغسل بها عقلك لتصابي بهذا الجنون الذي تدعين !
: أيها العجوز الخرق أين تنام عن الدنيا , و نداءات الحرية تضج في قارات العالم السبع وتحملها الرياح على هودج هو سحر للناظرين والسامعين ,
وما أبالي بك إن أنت رضيت أم لم ترضَ وسأفعل ما أهوى وما لك علي فرض أو رأي ..!
وتولت عنه متبخترة نافشة ريشها وكأنها طاووس قد قُص ريشة وهو غافل عنه !
-2-
حتى إذا الشمس مالت تودع الكائنات و تسابيح الأشجار توحي لها بقرب ساعات المساء
أتخذت من سور الديك لها مكاناً وانتصبت متهيئة ولاح أمامها حلم عمرها يتحقق
ومملكة تتراقص حولها أغنيات الحرية متوجة بتيجان الشهرة
وقالت : الأن , الأن قد حان وقتي و ميلادي الجديد !
فوهبت صوتها كل ما تستطيع من معاني الترقيق و خرج نداءها
يتخبط في خطاه لا يستدل طريقة , فزعت على إثره الأزهار والأشجار
فكسر سكون المتأملين , وأقض منام الصغار
فكانت مرمى للحجارة بدل أن تكون مرمى نظرات المعجبين
والديك خلفها يرقبها بصمت ,و إذا بها تقبل منكسرة تغالب حزنها !
فخاطبها مخاطبة الحكيم لـ طفل قد طاش به هواه :
اسمعي مني ما أقول أيتها الدجاجة وعيه بعقلك الفطري و طبيعة الحياة ..
العالم اليوم سادته معالم مقلوبة و مفاهيم مبتورة وصاح الداعي للتحرر
و مواكبة العصرية و هبت تيارات الهمجية من الشمال والجنوب والشرق والغرب
فأصابت أذيالها عقلك القاصر عن مفاهيم الطبيعة ,
إنما في الحياة مركبات زائدة ليس لها إلا خلق التجارب الخارجة عن قانون الفطرة ,
يخططون و ينشرون و يزينون أساليب الإقناع الفكري للفارغة قلوبهم , والمستأجرة عقولهم
, فيرسمون حياة بعدسة مقلوبة
ويخلطون هذا بذاك , فإن أنت أبصرتهم دون عقل واعي أصاب عينيك الحول من صنيعهم
وانقلبت رؤيتك و غدوت ذو عدسة مقلوبة ,
الحرية والعصرية ليست كما تقولين أو كما يناشدون ,تصبحين ديكاً و تمسين بومه !
إنما الحرية بأبسط معانيها
" أن لا أرتدي من أثواب الحياة إلا ما يتوافق وفطرتي و سماوية ذاتي و رضا فاطري "
فاسمعي نصحي يا صغيرة وسارعي لأقرب طبيب بيطري
لأنه يلزمك عملية جراحية لتعديل عدستك المقلوبة ..
وعلى الدنيا السلام إن أرخى كل حي لهواه سمعه !
…
حديث الدجاجة إلى الديك !