سقط اليقين
حسن العاصي
كاتب فلسطيني مقيم في الدانمارك
في تمام الهزع الأخير
إلٌا نجمة
أوغل بالمدينة الدم
وتمادى القتل
تهيم الخطى على تلال العوسج
والعصافير نفقت
على أسطح القرميد الأسود
يفر الناس من ظلالهم
يتجرعون الموت
قالوا هنا يرقد الأحياء
كأنٌ الأبواب أوصدت الوقت
حرٌاس الفوانيس أثقلتهم الدروب الضٌيقة
الأقدام دامية
الشرفات مبتورة
والحدائق ثعابين تتلوٌى
خفٌت أصوات الفرح كالمطر
والشجر غادرته المآذن
سقط اليقين فسقط الوجود
والذاكرة نصال جرداء
على بُعد صرختين سجدتً
ارتميت على خافق السهد
أتوسٌد صدر التراب
كانت مواويل الظمأ تدور كالرحى
بين جرحين
قالوا الرمل محميٌ الرٌب
علا العويل فانقبض الغبار
سقطت الخيول الرمادية
وفاض البحر فراشات وبكاء
حزينة هي المدينة
كقوافل الراحلين
النوافذ تتوسٌل المساجد
وتتوارى خلف المتاريس
رائحة الموت
تتشقٌق الأجنحة وتُدبر الغيوم
تحتضر الأرصفة والشهب
والجرذان يقرضون أعين الصغار
نساء الحيٌ يرفعن الصلوات
ترنو إليهن أصوات النواح حُبلى
شهوة القتل تتسكٌع هنا
تحدٌها العقبان السوداء
في تمام العنق التاسعة إلٌا سبعة مجازر
يغفو تعب الأطفال خلف أبواب الموت
مدائن الزنبق أنبتت علقماً
وحواري الياسمين أكلت صغارها
الكروم ترتٌل مناسك الإحتراق
تذرف حبٌات العنب حمماً
التلال القريبة أضحت لاهوت يرتعش
يشيخ وجه القمر ويضمر
يفترش الوطن الخطى الضالة
يستحث زحمة التراب
ويستوصي غصٌة الرخام
في مقابر الغرباء
يحزن الحزن وتهوي الصباحات
وتتعرٌى الأرض الثكلى
وتفر من الأشرعة العارية
تسحل ضفائر العويل خلفها
فتنقبض جماجم الصرعى خجلاً
يكتب الرجال أسماءهم على وجه العاصفة
وينثر الصغار أحلامهم فوق التوابيت الجائعة
هذه غلال الخوف تلتهم الأعناق
فتنسدل الرؤوس كالسنابل العمياء
هذه البلاد ليست لك
فأي تراب يراقصك قبل الغرق
ظهر القبائل مقصوم
لعينيها ضجيج
لاشيء يشبهها ولا تطاوعها المسافات
الوطن أضاع سراج الإيمان
كنت هنا قبل دهر وغفران
وقبل نيٌف من الأصوات المكتومة
اسودٌت الشمس
وأشاح القدٌيس غبار الماء
إنهض يا أحمد
هنا آخر الرمل وأول اليقين
فأي نبيٌ سيملك هذا الميلاد
اقرأ باسم الدٌم يتوسد الرؤيا
أيٌها الراقدون هنا
في قلبي مدائن تتشظٌى
وصوتي وجه على الرمل
والآخر نافذة قطار
تأبطت ويلاتي على أعتاب الرسل
ألوذ بصحراء تلد أنبيا