قصص أدبية رائعة
الحمار المحظوظ
لم يرجع حمار أبي كنعان كعادته للبيت. كان من المفروض أن ينهي مهامه اليومية في الكرم، ثم يعود قافلا للزريبة وقت الغروب، لا يلوي على شيء. على هذا تربى وهكذا تعود.
جلس أبو كنعان أمام بيته، ينتظر عودة الرفيق المناضل. هذا الرفيق الذي لا يعرف الكلل أو الملل. الرفيق المخلص الذي لا يتخذ عليها أجرا. يأكل ويشرب ما يجود به عليه أبو كنعان. ليس له طلبات خاصة، لا لباس مزركش ولا حذاء منقوش.
سرعان ما لملمت الشمس أشعتها وأقفلت على نفسها أبواب الظلام. والحمار لم يعد. فانتقل أبو كنعان من حالة الانتظار إلى خانة القلق لعدم عودة حماره. فهذه ليست من شيم هذا الحمار أن يبيت خارج الدار.
مر الوقت والرفيق لم يعد. مما حدا بابي كنعان الانتقال إلى مرحلة خطيرة مرحلة ارق الليل الشتائي الطويل. ينتظر إفراج الشمس عن أشعتها ليتبدد الظلام ويرفع راية الانهزام أمام تباشير الصباح الذي يعلن عن قدومه بحلول أول تكبيرة في الصلوات الخمس.
هذا الوضع التعيس لا يسبب الخوف الشديد في قلب أبي كنعان فهذه حالة عرضيه يستطيع أن يتلمس الأعذار لحماره الغائب.
لعلها كانت العاصفة الشديدة أرغمته على اللجوء إلى إحدى الكهوف ليتقي شرها.
أو لعله أعجب بأتان قد أغوته فاستضافته في ليلة عاصفة زهزجاء رغم انه لا يفتن بسهولة بالمنحرفات.
أو ربما ذهب ليعمل وردية ثانية ليؤمن نفقات رحلته الاستجمامية إلى مملكة الحمير المجاورة.
لكن فكرة أن يكون قد اغتيل على يد الوحوش المفترسة لم تراود أبا كنعان وذلك لمعرفته حق المعرفة أن هذا الرفيق مدرب على خوض اعنف المعارك والمشادات اليدوية واستعمال احدث أنواع الركلات. كيف لا وقد شهد له التاريخ مواقف بطولية استطاع التغلب فيها على اعتى المعتدين .
لاح الصباح يحمل معه هدوء العاصفة. وخرج أبو كنعان يجوب الكروم. ينادي بأعلى صوته: أيها الرفيق أيها الرفيق. لكن لا اثر للمذكور ولا حياة للرفيق.
بحث في كل كهف ومغارة، بحث في كل رقعة ارض وحارة. عله يرى بقايا لحم أو عظم فيما إذا غدر به لكن بدون جدوى.
بدأ الخوف يساور قلب أبي كنعان الذي اخذ يميل للاستسلام بان رفيقه لن يعود إلى الدوام.
عاد أبو كنعان أدراجه إلى البيت. يجر أذيال الخيبة من ورائه. وأثناء عودته قرر أن يعرّج على القرية المجاورة لقريته وذلك من اجل استمرار مساعيه الحميدة من اجل العثور على الرفيق والتي بدأها ببيت صديقه أبي شلومو. فمهما يكن من اختلاف الدين فهو في النهاية من أبناء العمومة. وقد لجأ كثيرا لأبي كنعان لطلب المساعدة وقت الضيق. وكان أبو كنعان دائما طلائعي في المساعدة وإكرام المحتاج. ولم يكن يبخل عليه بشيء. فحتي بيت أبي شلومو لم يكن ليبنى لولا مساعدة أبناء أبي كنعان .
رحب " أبو شلومو" بابي كنعان اشد الترحاب فقد كان يعتبره من اعز الأحباب وقدم له الشاي الممزوج بالحزن الشديد على فقدان الرفيق حاثا اياه على الصبر والسلوان والمكتوب ليس منه مهروب .
رشف أبو كنعان رشفته الأولى من فنجان الشاي الساخن آملا أن يهدئ من روعه، ويخفف من حدة مزاجه المتوتر. لكنه ما أن رفع بفنجانه إلى فمه واستوت عيناه حتي لمح حمارا مربوطا في ساحة البيت
يا للعجب !!!!! هذا الحمار يشبه حماري في كل شيء الأنف، الفم، العينان، الأذنان، الرأس، الذنب. حتى النظرات الثاقبة التي كان يرمق الحمار بها أبا كنعان عندما يغضب منه أو يحمله ما لا طاقة له به .
نظرات عتاب وكأن لسان حاله يقول: يا خسارة خدمتي لك يا أبا كنعان !!!! الم تتعرف علي رغم عشرة العمر الطويلة!!!!! يجب أن تعرفني قبل مغادرتك هذا المجلس اللعين أيعقل أن الحمار يتعرف على صاحبه أما صاحبه تغيب عنه أوصاف حماره.
يا الهي إني أكاد أن اجن نسخة طبق الأصل من حماري ونظراته. لكني لا استطيع أن أبوح بذلك لأبي " شلومو" آو أعلن بأنه حماري. وذلك لسبب بسيط جدا هو أن حماري ابيض اللون وهذا اسود.
ومع كل هذا قرر أن يوجه كلامه لأبي" شلومو" قائلا: يا أبا " شلومو"!!! لم تعرفني على حمارك الذي لم أعهده من املاكك سابقا .
– انه أخوك أبو الصابر. لقد حررته حديثا من مالكه السابق حيث أوقع فيه اشد أنواع العذاب والاضطهاد. القى عليه المهام ليلا ونهارا. وكما ترى فالسرور يظهر على محياه لنيله حريته واستقلاله
– ولكني المح في عينه الجفلان منك!!!
– لا عليك يا ابن عمي سأروضه وأعوده على مالكه الجديد.
هم أبو كنعان بالانصراف لكنه عاد وجلس بعد إلحاح مضيفه في البقاء حتى تتوقف الأمطار التي أخذت تنزل بغزارة.
هذه الأمطار التي أصرت على السقوط بكميات هائلة أرادت منع أبي كنعان مغادرة المكان لتكشف له جريمة لا تغتفر هذه الأمطار لم تكن إلا جند من جنود الله. أراد بها أن تطهر القلوب من الخبث. وتغسل الرفيق من الدهان الذي صبغه به أبو سليم كما دعوه العرب. نعم ظهر الرفيق بلونه الأبيض الأصلي بعد أن زالت عنه الأصباغ السوداء من شدة وقع الأمطار على جسمه ليعود إلى أحضان أبي كنعان. ومهما يكن لا بد للقيد أن ينكسر وتزول الأصباغ ويعود الحق لأصحابه .
هذه قصة روتها لي ارض تدعى فلسطين.
قالت: صبرت كما صبر الحمار .
خدمت أهلي كما خدم الحمار.
غيروا ملامحي كما غيروا ملامح الحمار.
لكن الحمار نال استقلاله لمثابرة صاحبه ونضاله في البحث عنه.
أما أنا فأهلي يمرون عني ويتنكرون لي.
فلن تنزل الأمطار لتزيل الأصباغ ما داموا لا يبحثون عني!!!
لقد نسوني!!!!!
وأخاف أن يأتي يوما لن يعرفوني من كثرة الأصباغ المتراكمة على جلدي.
فأمانة أيها الأديب. أن تخبر أهلي أني مشتاقة لهم واني في الانتظار.
قل لهم: فلسطين بحاجة لصلاح دين .
للمؤلف الأديب الفلسطيني احمد حامد صرصور