الشعور بالخوف جزء من نمو الطفل النفسي وتطوّر…
«هناك وحش مختبئ تحت السرير»، «جاءت الساحرة إلى غرفتي تريد أن تقتلني».
من المعلوم أن الخوف عند الطفل شعور طبيعي وهو جزء من تطوّره النفسي والعاطفي. وقد يتّخذ أشكالاً عدة منها الحذر من الإقدام على أمر ما، أو الخوف من الأشباح أو الوحوش أو الخوف من العتمة.
يؤكد اختصاصيو علم نفس الطفل أن السنوات الأولى من حياة الطفل هي مرحلة اكتشاف يحاول فيها التعرف على محيطه، ومن الطبيعي أن يشعر بالخوف وأن يكون حذرًا من كل ما هو غامض بالنسبة إليه.
في أي سن يبدأ الشعور بالخوف عند الطفل؟
يبدأ الشعور بالخوف بالظهور في سنّ الثمانية أشهر. ففي هذه السن يتولّد لدى الطفل قلق الانفصال عن والدته، وعندما يرى شخصًا غريبًا قد يخاف، ويقال بالعامية «استغرب»، وهذا أول مظاهر الخوف العلنية عند الطفل.
ففي هذه السن صارت لديه القدرة على حفظ وجوه بعض الأشخاص المقرّبين منه، وعندما يرى وجهًا غير مألوف قد يخاف ويرفض الاقتراب منه ويعبّر عن ذلك بالبكاء.
وعندما يبلغ الطفل الثلاث سنوات يصبح عنده نموّ عقلي وتتطوّر عنده ملكة التخيل، فيخترع أمورًا وهمية لا وجود لها في الواقع، إلا أنه في الوقت نفسه لا ينسجها من محض خياله فقط، بل يستمدها من مشاهد رآها في التلفزيون أو قصص قرأتها له والدته.
القصص الخيالية وشخصياتها المخيفة
تلعب القصص والحكايات التي تروي عن شخصيات مخيفة دورًا في تنشيط خياله وتنميته إلى درجة أنه يقلّدها ويبتكر من مخيلته شخصيات مخيفة. مثلاً تروي الأم لطفلها حكاية عن الغول أو الذئب أو الوحش المفترس، وبعد فترة يصبح هو «مصوّر» الحكاية. يقول لوالدته أن الثعلب الشرير مختبئ تحت سريره. بالطبع يريد أن يلفت نظرها ويسعى للعب معها، لكن الأمر يدّل على قوة الخيال ونموّه.
وأحيانًا يستخدم الأهل تلك الشخصيات الخيالية المخيفة لـ«ردع» الطفل: «عليك أن تأكل وإلا لن تصبح قوياً وسيأكلك الثعلب». لا بأس بذلك.
إنه أسلوب «خيالي» في التربية، وأفضل من ردع الطفل بالضرب والأذى الجسدي مثلاً. وفي المقابل، يجب على الأهل عدم المبالغة في تخويف الطفل بالشخصيات الخيالية، لكي لا يتحوّل الأمر إلى رعب وقلق يزعزعان شخصيته.
مجاراة الطفل في « لعبة الخوف»
إذا لم يتمكن الأهل من تبديد خوفه، أو جعله يفصل بين الواقع والخيال. فإذا قال مثلاً انه رأى الساحرة الشريرة في غرفته، لن يقتنع بجواب أمه أنه» لا وجود للساحرات» لأنه شاهدها في التلفزيون، عندها يمكن الأم أن تجاريه في خوفه وتقول له «لكن في النهاية تمكّن الطفل البطل من القضاء عليها». فهي بذلك تساعده على التغلب على خوفه الخيالي.
خسارة المركز
وقد يكون الخوف عند الطفل أحيانًا سبب قلقه من خسارة مركزه في العائلة. فعند قدوم مولود من الطبيعي أن يحوز اهتمام الأهل، غير أن الطفل لا يستطيع تفهّم هذا الأمر ويشعر بأن هذا الصغير جاء ليحتل مكانته، مما يشعره بالقلق الذي قد يعبّر عنه بنوبات الخوف التي تنتابه، كأن يستيقظ في الليل خائفًا مدعيًا، إذا صح التعبير، أن شبحًا يريد أن يخنقه أو أن ألعابه تنظر إليه ويصرّ على أن ينام في غرفة والديه.
فهو بذلك يبعث برسالة إلى أهله مفادها ضرورة الاهتمام به دون أن يعي ذلك. ومن الملاحظ إن معظم الأطفال الذين يزورون العيادة لا يبدو عليهم الخوف أثناء روايتهم الأحداث التي تحصل معهم في الليل.
فإذا سألت طفل مثلاً :ما بك؟ يردّ وهو مبتسم:» أخاف عندما أكون وحدي في غرفتي، وأشعر بأن الذئب سوف يأتي ليلتهمني لكنه يذهب بمجرد أن تدخل والدتي إلى الغرفة».
هذا النوع من الخوف ينتمي إلى خيال الطفل الذي يجد فيه وسيلة ممكنة لحل مشكلة يعانيها لكنه لا يدرك ذلك. ودور الأهل أن يُشعروا الطفل بالطمأنينة وأنهم دائماً بقربه لحمايته، ويؤكدوا له محبتهم.
فمثلاً حين يقول الطفل أنه رأى ثعلبًا في غرفته يريد أن يلتهمه، يمكن للأم أن تقول له «الثعلب أكل ليلى في القصة لكنه لا يمكن أن يأتي إلى غرفتك لأن المنزل بعيد عن الغابة وأبوابه موصدة ولا يمكنه الدخول».
الأهل أحيانًا يدخلون في لعبة الخوف
يشير الإختصاصيون إلى ارتباط خوف الطفل أحيانًا بمخاوف الأهل. فقد يحدث أن يكون الأب أو الأم مثلاً ممن يخافون الكلب و لا يستطيعان إخفاء هذا الأمر أمام طفلهما مما يؤثر سلبًا عليه ويعزز لديه الشعور بالخوف. فالأهل بالنسبة إلى الطفل المثال الذي يحتذي به، ومصدر لأمنه واستقراره وهم الأقوياء القادرون على حمايته. «إذا كان البابا يخاف من الكلب فهذا يعني أن الكلب شيء مخيف»! ولا يمكن لوم الطفل على النتيجة المنطقية التي توصّل إليها.
صحيح أنه من الصعب أن يخفي الأهل ردة فعلهم، لكن يمكنهم تبرير موقفهم وشرح سبب الخوف من الكلب . كأن يقول له والده «أنا لا أخاف من الكلب لكنه يزعجني».
ويحدث أحيانًا أن يعزّز الأهل الخوف عند الطفل بسبب الممارسات الخاطئة وغير المقصودة في التربية. فمثلاً عندما يخاف طفل من القط يقول له والده أنت جبان وقد يقرّبه من القط بالقوة الذي قد يخدشه ما يزيده خوفًا منه لأنه تأذى.
وقد ينتج عن ذلك عدم ثقة الطفل بوالده، لأنه سبّب له الأذى في الوقت الذي يجب أن يحميه. ومن الملاحظ إن معظم الأطفال الذين يأتون العيادة ويعانون الخوف، هم من الذكور والسبب أن الأهل يعتقدون أن الصبي يجب أن يتمتّع بصفتي القوة والشجاعة في حين أن البنت في رأيهم ليس معيباً أن تخاف من الحيوانات أو من القفز في حوض السباحة.
ودي