حسن الإختيار هو الأساس لحياة زوجية سعيدة
المصدر:بوابة النجاح
فمن أهم وأول المشاكل الزوجية ما يتعلق بعدم التخطيط والتسرع في الإختيار عند الإستعداد للزواج والتي يترتب عليها العديد من المشاكل الزوجية في المستقبل, قال صلى الله عليه وسلم:« تخيروا لنطفكم فإن العرق دساس, وكذلك سوء التقدير والإختيار وعدم التكافوء والتوافق الفكري والإلتزام الديني وكذلك الفروق التعليمية والعلمية بين الزوجين.
وبما أن الزواج يعتبر من أهم المحطات الرئيسية في حياة الإنسان وهذا القرار من القرارات البشرية الإستراتيجية الهامة, فحسن إختيار شريك الحياة على بينة ونور من البداية والتخطيط السليم قبل الإستعداد للزواج سواء من الرجل أو المرأة يكون كفيلا بإذن الله من تفادي أي مشكلة في المستقبل في عدم التوافق والإنسجام بين الزوجين والترابط الفكري وتجنب الخلافات الزوجية الهدامة.
إن الزواج الذي يبدأ بالإهمال في المعرفة أو يقوم على تصورات خاطئة مجانبة للحقيقة، أو الخداع أحياناً، هو زواج قلق متزلزل وغير متزن، ذلك أن الحياة الزوجية سرعان ما تكشف جميع الحقائق وتظهر جميع الخبايا, إذن فالحياة الزوجية يجب أن تقوم على الحقيقة والمصداقية بعيداً عن الخدع والأباطيل.
فما كان أوله شرط أصبح أخره نور كما قيل في الأمثال قديما, وينبغي الأخذ بالأسباب المشروعة والتي هي من سنة الحق سبحانه وتعالى في كونه, فعلى طرفي الزواج أن يهتما بالبحث عن عيوب الشريك قبل الزواج وهذا يعني أهمية إستثمار فترة الخطوبة في عملية الإختبار لكلا الطرفين والإختيار الأنسب لشريك الحياة وليس الأمثل لأن المثالية ليست من صفات البشر والكمال لله والعصمة للأنبياء والمرسلين.
وفترة الخطوبة مهمة جداً فى إختبار مدى قدرة الطرفين على التوافق, وهى مهمة لزرع شجرة المحبة ورعايتها حتى إذا تم الزواج كانت هذه الشجرة التى إشتد عودها أصلها ثابت وفرعها في السماء تؤتي أكلها في كل حين وقادرة على تحمل أعاصير مسئوليات ومشكلات ما بعد الزواج, أما إذا أجلنا زراعة هذه الشجرة لما بعد الزواج فربما أجتثت من فوق الأرض ما لها من قرار ولا تستطيع الصمود للرياح التى تهب على الزوجين وهما يخوضان غمار الحياة اليومية بمشكلاتها وضغوطها.
إن الصراحة مطلوبة وبشدة فى فترة الخطوبة وما قبل الحياة الزوجية حتى لا يظهر أحد الأطراف عكس ما بداخله أو يعطى إنطباعا أنه يتحمل أشياء تفوق طاقته، وهذا من شأنه أن يجعل الطرف الأخر يعتبر هذا حقا من حقوقه الذى لن يتنازل عنها إذا قصر الأخر أو تأخر عن واجبه.
هناك العديد من المعايير والأسس في إختيار شريك العمر, فعَنِ أَبي هُريرة رضيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ عَنِ النبيِّ صَلّى الله عَلَيْهِ وَسَلّم قال:« تُنْكحُ الْمَرْأَةُ لأرْبَعٍ: لمالها ولِحَسَبها ولِجَمَالها وَلدينها: فَاظْفَرْ بذاتِ الدِّينِ تَربَتْ يَدَاكَ "(مُتّفَقٌ عَلَيْهِ), إنه إختيار الزوجة، إنها رفيقة العمر وصاحبة الرحلة الطويلة مع زوجها في هذه الحياة والتي وجه النبي صلى الله عليه وسلم الشباب لحسن اختيارها حين قال: " فاظفر بذات الدين تربت يداك" أي إلتصقت بالتراب كناية عن الخير الوفير بإختيار الزوجة الصالحة.
إن أحسن الرجل هذا الإختيار فإنها التي تسره إذا نظر إليها، وتحفظه في حضوره وغيبته وترعى ماله وتحسن تربية عياله، إنها حينئذ السكن والمودة والحب والحنان, فعن أبي أمامة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:« ما استفاد المؤمن بعد تقوى الله عز وجل، خيراً له، من زوجة صالحة: إن أمرها أطاعته، وإن نظر إليها سرته، وإن أقسم عليها أبرته، وإن غاب عنها نصحته في نفسها وماله ". (رواه ابن ماجه ).
فحسن إختيار شريك الحياة والفوز بالنصيب الطيب والزواج الصالح هو منة وفضل من الله ونعمة وغير ذلك فهو إبتلاء من الله ونقمة, قال تعالى:« الْخَبِيثَاتُ لِلْخَبِيثِينَ وَالْخَبِيثُونَ لِلْخَبِيثَاتِ وَالطَّيِّبَاتُ لِلطَّيِّبِينَ وَالطَّيِّبُونَ لِلطَّيِّبَاتِ ", وقال صلى الله عليه وسلم:« من رزقه الله امرأة صالحة فقد أعانه على شطر دينه فليتق الله في الشطر الباقي}(رواه الطبراني), وكما قيل في الأمثال الشعبية: الزواج مثل البطيخة, كناية عن عدم معرفة ما في الباطن الذي لا يعلمه إلا الله الذي يعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور.
الدين والأخلاق هو المفتاح: لقوله تعالى:« وَلَعَبْدٌ مُّؤْمِنٌ خَيْرٌ مِّن مُّشْرِكٍ وَلَوْ أَعْجَبَكُمْ ولأمة مؤمنة خير من مشركة ولو أعجبتكم أولئك يدعون إلى النار والله يدعو إلى الجنة والمغفرة بإذنه}( البقرة 221 ), وقال تعالى:« وَأَنكِحُوا الْأَيَامَى مِنكُمْ وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ وَإِمَائِكُمْ إِن يَكُونُوا فُقَرَاء يُغْنِهِمُ اللَّهُ مِن فَضْلِهِ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ), وقال صلى الله عليه وسلم: " إذا جائكم من ترضون دينه وخلقه فزوجوه إلا تفعلوا تكن فتنة في الأرض وفساد كبير" ( رواه الترمذي).
حيث ركزت التعاليم الإسلامية على الإهتمام بالجانب الديني والخلقي عند إختيار النسب الطيب والزوج الصالح لبناء مجتمع يسوده التدين والتخلق بالمباديء والأصول والقواعد الإسلامية, وعلى الوالدين حسن التوجيه والإرشاد وإعانة كلا الطرفين لما فيه صالح الحياة الزواجية والعمل على كل ما يخدم استمراريتها ويقوي روابطها حتى بعد الزواج, حيث قال صلى الله عليه وسلم:« من زوج كريمته من فاسق فقد قطع رحمها). (رواه ابن حبان بسند صحيح)
القوة والأمانة من معايير الإختيار الهامة, فعندما أرادت إحدى إبنتي نبي الله شعيب الزواج من نبي الله موسي عليه السلام لما رأت من حسن صنيعه معهم:« قَالَتْ إِحْدَاهُمَا يَا أَبَتِ اسْتَأْجِرْهُ إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الْأَمِينُ , قَالَ إِنِّي أُرِيدُ أَنْ أُنكِحَكَ إِحْدَى ابْنَتَيَّ هَاتَيْنِ عَلَى أَن تَأْجُرَنِي ثَمَانِيَ حِجَجٍ فَإِنْ أَتْمَمْتَ عَشْرًا فَمِنْ عِندِكَ وَمَا أُرِيدُ أَنْ أَشُقَّ عَلَيْكَ سَتَجِدُنِي إِن شَاء اللَّهُ مِنَ الصَّالِحِينَ} ( القصص: 27,26). يعرض ابنته على موسى عليه السلام، وقد جاء غريباً مهاجراً ولم يتحرج من هذا العرض، ولم يشترط في موسى أن يكون من قومه أو وطنه أو بني جلدته وإنما اإكتفى بشرط هو الدين والقوة والأمانة.
التكافؤً, ومنه قوله صلى الله عليه وسلم:« والمسلمون تتكافأ دماؤهم " (سنن أبي داود), وقال أيضا:« تخيروا لنطفكم فانكحوا الأكفاء وانكحوا إليهم} (صحيح الجامع), فالكفاءة هي المساواة والتقارب بين الزوج والزوجة في المستوى الديني والأخلاقي والأجتماعي والمادي ولا ريب أن تكافؤ الزوجين من الأسباب الأساسية في نجاح الزواج وعدم التكافؤ يُحدث نوعاً من النفرة ويسبب الخلاف والشقاق .
قيل لأعرابي: صف لنا شر النساء.. فقال: شرهن النحيفة الجسم، القليلة اللحم، المحياض الممراض، لسانها كأنه حربة، تبكي من غير سبب وتضحك من غير عجب، عرقوبها حديد، منتفخة الوريد، كلامها وعيد، صوتها شديد، تدفن الحسنات وتغشي السيئات، تعين الزمان على زوجها ولا تعين زوجها على الزمان، إن دخل خرجت، وإن خرج دخلت، وإن ضحك بكت، وإن بكى ضحكت، تبكي وهي ظالمة، وتشهد وهي غائبة، وقد دلى لسانها بالزور وسال دمعها بالفجور، إبتلاها الله بالويل والثبور وعظائم الأمور، هذه هي شر النساء ".
فمن أسس بنيانه في كل شئون حياته على حق وقواعد راسخة وأصول متينة كان في البناء خيرا له بفضل من الله ورضوانه وما أسس على باطل وأصول مائلة كان في البناء شرا وسقط على رأسة خسر الدنيا والأخرة بسخط من الله في عدم الإمتثال لأمر الله ومن سوء في الإختيار, قال تعالى:« أفمن أسس بنيانه على تقوى من الله ورضوان خير أم من أسس بنيانه على شفا جرف هار فانهار به في نار جهنم والله لا يهدي القوم الظالمين ", فالقوانين الربانية السماوية أنزلت رحمة للبشرية, في كل زمان ومكان.
وانظر لحرص السلف على اختيار الزوج صاحب الدين والزوجه الصالحة, فها هو سعيد بن المسيب وهو سيد التابعين وأكثرهم علماً وفقهاً كانت له ابنة من أحسن النساء وأكثرهن أدباً وعلماً وأعلمهن بكتاب الله وسنة رسوله, فخطبها الخليفة الأموي عبد الملك بن مروان لأبنه الوليد بن عبد الملك ابن سعيد ولكن سعيد بن المسيب أبىَ أن يُزوجه إياها وزوجها لتلميذ من تلامذته ( وهو كثير بن أبي وداعة ) وكان فقيراً فأرسل إليه بخمسة الآف درهم, وقال: إستنفق هذه فلما جاء الصباح أراد كثير بن وداعة الخروج إلى حلقة سعيد بن المسيب.
فقالت له: إلى أين ؟, قال: إلى حلقة سعيد أتعلم العلم, فقالت: اجلس أعلمك علم سعيد بن المسيب فجلس فعلمته, فانظر كيف فضل سعيد العبد التقي على الجبار الغني ، وأن هذا العبد التقي يعرف حقها ويرعى حق الله فيها.
وها هو ثابت بن إبراهيم يمر على بستان من البساتين وكان قد جاع حتى أعياه الجوع فوجد تفاحة ساقطة منه فأكل منها النصف ثم تذكر أنها لا تحل له إذ ليست من حقه ، فدخل البستان فوجد رجلاً جالساً, فقال: أكلت نصف تفاحة فسامحني فيما أكلت وخذ النصف الآخر, فقال الرجل: أما إني لا أملك العفو ولكن أذهب إلي سيدي فالبستان ملك له, فقال: أين هو؟، قال: بينك وبينه مسيرة يوم وليلة.
فقال: لأذهبن إليه مهما كان الطريق بعيداً لأن النبي صلى الله عليه قال:" كل لحم نبت من سُحت فالنار أولى به ", حتى وصل إلى صاحب البستان فلما دخل عليه وقصَّ عليه القصص, قال صاحب البستان: والله لا أسامحك إلا بشرط واحد, فقال ثابت: خذ لنفسك ما رضيت من الشروط, فقال: تتزوج إبنتي ولكن هي صماء عمياء بكماء مُقعدة, فقال ثابت: قبلت خِطبتها وسأتاجر فيها مع ربي ثم أقوم بخدمتها وتم عقد الزواج.
فدخل ثابت لا يعلم هل يُلقي السلام عليها أم يسكت لكنه آثر إلقاء السلام لترد عليه الملائكة فلما ألقى السلام وجدها ترد السلام عليه بل وقفت وسلمت عليه بيدها فعلم أنها ليست كما قال والدها فسألها ؟, فقالت: إن أبي أخبرك بأني عمياء فأنا: عمياء عن الحرام فلا تنظر عيني إلى ما حرم الله, صماء من كل ما لا يرضي الله, بكماء لأن لساني لا يتحرك إلا بذكر الله مُقعدة لأن قدمي لم تحملني إلي ما يُغضب الله, ونظر ثابت إلى وجهها فكأنه القمر ليلة التمام، ودخل بها وأنجب منها مولوداً ملأ طباق الأرض علماً إنه الفقيه أبو حنيفة النعمان فمن نسل الورع جاء الفقيه.