التصنيفات
مراحل التعليم

واتعليماه!

واتعليماه!

واتعليماه!

الكابوس الذي كان مجرَّد حُلم عابر، بائس، تكتنفه هلامية الأفْق، أصبح حقيقةً مخيفةً يلفُّها صفاء مكفهرٌّ بيِّن، كان مجرَّد شكٍّ لا يقين فيه!

وفي السنوات الأُوَل لهذا القطاع الجميل – وما عاد كذلك – كبِر معي حُلم بأن المنتهى سيكون بهيًّا، فكانت الأشعار والألحان والأغاني تتدفَّق على شفاه الصِّبْيَة والتلاميذ تدفُّقَ الحليب بجوف الوليد؛ وأذكر أنه طالما كان انتظار الأولياء لأمسيات المسابقات الفكرية والمسرحيات والمجموعات الصوتية مستطيرًا لا نظير له؛ حتى إنهم فرَّطوا في قيلولتهم ليشهدوا جوًّا لم يألَفوه من قبل، ناهيك عن تلك الجلَبة التي يُحدثها التلاميذُ بشوارع المدينة، سنفونية غريبة، ولكنها جميلة، مُدهِشة!

وبدأتْ تتغير ملامح الحلم، وبَسمتُه المُشرقة أضحتْ مُحرقة، ولا أكتم سرًّا، إن الحلم بدا بتقاسيم تُشاكِل ذلك الكابوس المزعج!

الخوف المبثوث بين سطور هذه المساحةِ الصغيرة يَحمِل همًّا أكبرَ من مجرَّة عظمى! ذلك أن ما يكتنف ظروف التعليم في الجزائر اليومَ لا يدَع العينَ تُطبق جفنها بأناة وهناء، وما علِق من حنين بظلِّ هذه الحسرات المتتالية على هذا القطاعِ الحساس المهمِّ يبعث التخوفَ الدائم على مستقبل أبنائنا، وعلى تحصيلهم التربوي الهجين، ومردودهم العلمي الواهي، وسيَصعد (فواق) الحسرة إلى مخِّ الأبيِّ، فيثير به اضطرابًا وغشيانًا؛ كيف لا؟ وهو يرى أن الجيل الذي يترعرع أمام عينيه – بهذه المواصفات المهسوسة – هو مَن سيحمل مشعلَ هذا الوطن الغالي، وقد دُكَّت بفهمه اليتيمِ أفكارٌ هجينة، دخيلة على عاداته وتقاليده، ولغته ودينه؛ بل الأدهى والأمرُّ أنها ليستْ صحيحةً وصادقةً – على افتراض قَبولنا كونها ليست وليدةَ بيئتنا – وقد أثبتت فشلَها في بيئاتها، وما يتسرَّب إلى مناهجنا كلها ليس جزائريًّا بحتًا أو عربيًّا خالصًا، فأنَّى الخَلاص؟!

إن ما يؤرِّق الفكرَ انزواءَ صاحب الحسرة تحت قبَّة أسرته الصغيرة؛ حتى يحصِّن أولادَه بلقاح القدوة الصالحة، بدءًا بالسيرة النبوية العَطِرة، ويجد جهده لا يصل إلى باقي الجيل؛ بل الأرقُ الأنكى أن يحصِّنهم بهذا اللقاح، ويَلقى أولاده شواذَّ بين أقران لهم يعتقدون بأنهم كذلك!

لقد ثَقِف المتربص بنا – بعد إيمان قاطع، وتجربة طويلة – أن الأوطان ترقَى بقُدرات وكفاءات أبنائها، متى وفِّرتْ لهم سُبل التحصيل الراشد، والتصريف العقلاني لتلك الكفاءات بمؤسساتها، وعلى رأسها سلْك التعليم، كما ثَقِف أن الشباب إذا ما صار متعلِّمًا، متحصِّنًا بمقوماته، متشبِّثًا بها، ماضيًا لمستقبله بعلم صحيحٍ ومعارفَ سليمة – لن تَصِلَ إليه جراثيمُ الغفلة وعدم المسؤولية، وميكروباتُ نكران الذات، ولكن الوباء المتفشي في هذه المؤسَّسةِ الهامة سيأتي على مناحي الحياة الأخرى برمتها، وساعتَها سنضع بأيدينا أوطانَنا على فوهة البركان؛ تلوك حضاراتها بحسرة الأباة الصالحين، وبتشدُّق الرعاة الجاهلين، وستُصنع أخرى مزيَّفة فوق سراب أو سديم، فأنى الخلاص؟! أنَّى الخلاص؟!

لقراءة ردود و اجابات الأعضاء على هذا الموضوع اضغط هناسبحان الله و بحمده

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.