لحظات مؤلمة (موسوعة القصص المؤثرة) قـ2
لحظات مؤلمة
كنت راجعاً مع ولد خالتي من عشاء مع مجموعة شباب طيبة، كان عددنا 6 فتوزعنا كل 3 في سيارة، أنا وولد خالتي وشاب ثالث بسيارة واتفقنا على مكان محدد نجلس فيه لنتحدث، بطريق الذهاب إلى المكان المتفق عليه، وفي أحد الطرق السريعة بمدينة الرياض، رأينا موجة غبار قد إرتفعت إلى علو 20 متراً تقريباً، ونرى السيارات التي أمامنا وهي تشير، وعرفنا أنه حادث.
أمسك ابن خالتي المسار الأيمن فأصبح الحادث أمامنا مباشرة بـ 50 متر، تقدمنا إليه حتى أصبحنا نرى ضحايا الحادث بأعيننا ولم يسد طريقنا سوى السيارة الي حصل لها الحادث.
السيارة كانت آتية من الجهة المعاكسة متجهة شرقاً لكنها |إ|نحرفت لسبب من الأسباب واصطدمت بنخلة في منتصف الشارع العام ثم دخلت مسارنا واصطدمت بنخلة في الجهة الأخرى.
توقفنا لنتجمهر ونرى ما بقي من السيارة، (رجل وامرأة)، الرجل متخبط ويسقط ويطيح عدة مرات بسبب تأثير الحادث على ما يبدو، والمرأة طلعوها الناس من السيارة ووضعوها على الرصيف غارقة بالدم، الناس تتفرج! والمرور يقول لا تلمسوهم حتى تحضر سيارة الإسعاف، اعترض الناس فالبنت تحتضر وتنزف وهذا يقول انتظروا؟
كانت أقرب سيارة هي سيارة ابن خالتي اضررنا ونحن خائفون وقربنا السيارة، قلنا (ركبوها) والناس وضعوها على المرتبة التي في الخلف في الجهة اليمنى، والشاب الذي كان معنا جلس في الأمام وسطنا.
وعندما وضعوها بالسيارة ترددنا مرة ثانية لأن البنت كانت تغرغر، والناس تقول: (سووا اللي عليكم ووصلوها المستشفى)، وقالوا لنا:(روحوا للمستشفى الفلاني) كان هو أقرب مستشفى يناسب حالتها الصعبة.
أمامنا تحركت أربع سيارات تفتح لنا الطريق، أنا التفت لأرى البنت، فلم أشاهد في حياتي مثل هذا المنظر من الدماء أمام عيني إلا عند ذبح الشاة بلا مبالغة، كانت تنزف نزفاً شديداً، كنت أسمعها تغرغر وتشرق بالدم، حركت جذعي ومسكت رأسها بيد واحدة! أحاول تعديله ما قدرت.
أنزلت المرتبة الأمامية وجعلت ظهري للطبلون ووجهي صار للمنظر الي حرك بقلبي شيء وذكرني بلحظات فراق الدنيا، رفعت رأسها بكلتا يدي وجلست أذكرها الشهادة وهي ما زالت تشرق بالدم ورأيت ضربة برأسها من الخلف ينزل منها الدم مثل صنبور الماء.
حاولت أن أسد الجرح بأي شيء (ما لقيت)، وضعت يدي على مكان الجرح وضغطت عليه ووضعت يدي الثانية على جبينها بحيث تكون وكأنها ربطة على الجرح لأن نزول الدم كان كثيفاً جداً.
(قسماً بالله) ما رأيت أبشع من هذا المنظر لإنسان يحتضر أمام عيني، بدأ الدم ينزل من أنفها وفوق جبينها جرح ينزف منه الدم وعلى وجهها كذلك.
تخيلوا الموقف أمام عيني، اختلط على وجهها الكحل والدم وأصباغ الزينة، كدت أذرف الدمع على حالها، وثّبت نفسي لأني خفت أن أنهار لأمام هذا المنظر، وجلست أذكرها الشهادة وأقرأ عليها الأدعية، جلست أحرك رأسها حتى بدأت أحس أن الغرغرة اختفت، وأنا أقول: لا إله إلا الله، وأكررها وهي ليس لها أي استجابة غير صوت غرغرة الدم بحلقها، فشعرت بالبداية أنها ماتت لكن عندما قربت أذني من فمها عرفت أنها تتنفس، وسمعت صوت النفس يتغير من صوت غرغرة الى صوت الأكسجين وهو يمر بين الدم الجامد، حمدت ربي، وقتها شعرت وأنا ماسك برأسها أن البنت سوف تعيش بإذن الله وجلست أكرر عليها الشهادة والأدعية والأذكار، وأشعر بيدي وهي على الجرح الذي برأسها بأن الدم يخرج من بين يدي ويكمل طريقه بمجرى الدم، شعرت ببعض لحظات هالموقف الصعب إني أفكر وأقول لنفسي: أنت جالس ماذا تفعل!! أمامك (بنت) ليست محرم لك لماذا تنظر لوجهها؟ ولماذا تقبض رأسها؟
تشتت هذا التفكير وأنا أقرأ الأدعية حتى وصلنا المستشفى بعد 10 دقائق أو أقل بقليل.
في المستشفى وأمام البوابة كان ابن خالتي قد اتصل عليهم ونحن في منتصف الطريق وقال: جهزوا كل شيء عندما وصلنا والناس تتفرج والسرير ما زال داخل الطوارئ.
جاءت ممرضتان (وسكيرتي) قالت الممرضة الفلبينية بالحرف الواحد: we want strong man to carry her (يعني نريد رجل مفتول العضلات وقوياً ليحملها) أمسكتني مع كتفي وقالت: وأنا أقول بالإنجليزي: لا أعرف كيف أحملها؟ وأنا خائف من حملها بشكل Spine وأقولها غلط وصبح ظهرها مكسوراً ويحدث للبنت شلل، وبصعوبة استطعت إبعاد يدي عن الجرح برأسها بسبب الدم المتجمد.
وضعوا تحتها قماش ورفعوها ثم أدخلوها للطوارئ، فعلوا لها في غضون ساعة (5 او 6) عمليات حسب قول الممرضة، يعني بين الحياة والموت وكل نصف ساعة يخرج أحد من الغرفة ويعطينا جملة، |آخرها يقول لنا الدكتور: نزيف بالدماغ ونحاول السيطرة عليه وآخر يقول سيطرنا عليه وصار في نزيف داخلي بالضلوع.
ثم سجلوا اسم البنت بالمستشفى باسم (غير معروف)
نعود للرجل الذي كان يقود السيارة، لم تكن حالته بخطورة حالة البنت، مجرد كدمات بسيطة ذهب به جماعة ثانية لمستوصف قريب لموقع الحادث، سألوه عن اسمه فيقول أسماء مختلفة، (مخبط) الرجال إلى الآن تأثير الحادث عليه، سألوه عن أحد أقربائه فأعطاهم رقم شخص يقول انه أخوه، اتصلوا على هذا الشخص وجاء للمستوصف وعندما رأى الرجل، سألوه هل تعرف هذا؟ هل أنت أخوه؟ قال: لا أعرفه وأغمي عليه.
عندما قام المستوصف بعمل تحاليل يطمئنون على حالته، خرج تحليل الدم يقول إن الرجل (سكران).
وبعدمااستجوبوه بالمستوصف وهو فاقد عقله صار ليس بتأثير الحادث وكدماته وإنما بتأثير الكحول والمسكر وأصبحت البنت الي كانت معي الي كنت أسدّ جرح رأسها بيدي (ماهي إلا صديقته).
نعم صارت القصة صديق وصديقه خارجين مع بعضهم وحصل لهم الحادث بسبب السرعة، وتأثير السكر الذي كان واقع به الرجل.
(لا حول ولا قوة إلا بالله، إنا لله وإنا اليه راجعون).
عندما عرفت القصة صارت ترتجف يديّ والبنت حصلوا على جوالها واتصلوا على آخر رقم اتصلت عليه، جاءت البنت الي اتصلوا عليها باعتبار أنها تقرب لها عقب الحادث بساعتين، لكن عندما اتصلت على المستشفى قالوا لي: إنها ما زالت مسجلة على أنها (غير معروف)، يمكن كانوا يريدون أن يخفوا عني اسم البنت للستر، وحتى هذه اللحظة هي بين الحياة والموت بالعناية المركزة.
الهدف من ذكر هذه القصة لتتخيلوا مرتين فقط!! تخيلوا لو أنكم مكان هذه البنت بين الحياة والموت، تخيل نفسك .. على ماذا كنت ستموت؟
سكر؟! سماع أغاني؟! النظر والسماع إلى الحرام؟! غيبة ونميمة؟! كذب؟! وتخيلوا يا شباب الإسلام أي هذا أفضل؟
اللهم اجعل لنا من الناس عبرة ولا تجعلنا للناس عبرة.
المصدر: (موسوعة القصص المؤثرة) أحمد بن سالم بادويلان.